قصص

قصه دم القرين (كامله)

“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
-الحقووووني!
قلبي وقع في رجلي، قمت الساعة 4 الفجر على هزة موبايلي ولما رديت سمعت الصراخ ده، الصوت مكنش غريب عليا وكان كافي يفوقني كإني شربت 3 فناجين قهوة على الريق، دي كانت حماتي، اتصلت بيا أنا عشان ده الرقم اللي إيديها جت عليه في قائمة الاتصال، اختارت رقمي بشكل عشوائي، جبتلي الهلع بشكل عشوائي…
حاولت أفهم منها، كلامها كان متقطع:
-رجلي…اه…مش قادرة، وركي.
خلاص كده مكانتش محتاجة تشرح أكتر، أكيد اتزحلقت وحصلها كسر أو شرخ…
مديت إيدي، هزيت في مراتي جامد عشان تفوق وتروح معايا لبيت حماتي، مش فارق معايا تتخض، اشمعنى أنا دمي نشف!
وصلنلها في أقل من 10 دقايق، هي مكنتش ساكنة بعيد عننا، ولحسن حظي أصرت تفضل عايشة لوحدها، بيتها هو المملكة بتاعتها على حد قولها، وبتحب تعمل روتين معين متعودة عليه، تنزل تجيب فطارها من عربية الفول والبليلة اللي متعودة عليها وتشتري الخضار اللي هتطبخه من نفس بياع الخضار بتاع كل يوم وتطلب الأدوية اللي ناقصاها من الصيدلية اللي تحت بيتها وهكذا، وتصلي الفروض والسنن وقيام الليل، وتقرا القرآن في نفس المعاد كل ليلة وتتفرج على التليفزيون المهكع الصغير اللي كل شوية شاشته تتهز وتضرب عليه عشان الشاشة تتعدل، الروتين ده مكنتش تقدر تستغنى عنه حتى بعد ما صابها اللي صابها…
أعراض الشيخوخة كانت بدأت تبان عليها، بتتخيل حاجات طول الوقت، مثلًا عندها قناعة إن في جهات أمنية بتراقبها ومركبة كاميرات في كل مكان في البيت، وده عشان هي ست عندها علم كبير وثقافة وزمان وهي شابة كانت صحفية في واحدة من الجرايد وكانت بتعمل تحقيقات في قضايا مهمة، احنا بنتكلم عن من 50 سنة مثلًا، اللي هو سنة 1972 وبعدها اتجوزت وسابت شغل الصحافة واتفرغت للبيت ولولادها…
ولما كنا بنحاول في الأول نطمنها ونقنعها إنها مش متراقبة ولا حاجة ومفيش سبب يخليها تقلق كانت بتتعصب علينا وتقول إننا مش بنفهم حاجة، واكتشفنا إن كل محاولاتنا دي بتروح على الفاضي وده لإن تخيلاتها مرتبطة بأعراض الشيخوخة ومفيش فايدة، ده تطور طبيعي للسن…
“ماهيتاب” بقى من ساعتها وهي بتحاول تقنعها تسيب بيتها وتعيش معانا، مخاوفها كانت مبررة طبعًا، بدل بدأت تتهيأ حاجات ممكن جدًا بعدين تيجي مرحلة التوهان والخرف، ولا سمح الله تتوه في مرة في الشوارع وتنسى الطريق لبيتها أو اسمها حتى وأهلها، صحيح محصلش أي حاجة زي كده بس الأمر ميسلمش، بين يوم وليلة ممكن يحصل التطور ده مادام فيها ناس بتراقبني وبتترصدلي والراجل بتاع البقالة اتبدل ليه، مش قريب صاحب البقالة ولا حاجة ده واحد قتله وحل محله مخصوص عشان يرصدني وممكن يعمل فيا حاجة وكلام عجيب من ده…
وأنا بصراحة كنت بحط إيدي على قلبي في كل مرة مراتي تعرض العرض ده على أمها، لإن في مرة من المرات ممكن جدًا تضعف وتستسلم وتلم شنطتها وتيجي، مكنتش متخيل العيشة مع حماتي، لكن الحمد لله ده محصلش، حماتي مقدرتش تتخلى عن روتينها ويومها المعتاد، ولو مشيت كإنها سمكة خرجناها من الميه وبكده حكمنا عليها بالموت، مش هتعرف تتنفس وانا كمان، زي زيهاـ، ليا نمط حياتي، اللي الناس ممكن تشوفه ممل، لكن أنا اتعودت عليه وتعايشت معاه وحبيته كمان وربنا شاء إني انا ومراتي منجيبش أطفال وكبرنا على كده، ففكرة وجود حد أهتم بيه وأراعيه بقت تقيلة عليا، مسؤولية مقدرش أشيلها، أنا ومراتي بس اللي بناخد بالنا من بعض، هي حياتي وأنا حياتها…
ده كله اتغير مع الزحلقة اللي حماتي اتزحلقتها، وقعة غيرت حياتنا احنا التلاتة غصب عننا إحنا التلاتة، مبقاش فيها بقى نقاش ولا أخد وعطى، حماتي مكنش ينفع تقعد تاني لوحدها، مش لحد ما تتعافى، لأ، اللي متبقي من عمرها، التجربة المرعبة دي أثبتت إنها غصب عنها محتاجة بنتها، محتاجة اللي يراعيها ويلحقها لو حصل لها حاجة وميبقاش على بعد دقايق بالعربية، ولا حتى شارع واحد، لأ، حد تحت نفس السقف، وأنا لقيت نفسي مضطر اتشارك الأكسجين مع نفس تالت في البيت، ومضطر أشيل مسؤولية طفلة كبيرة…
أنا وهي مكناش بنتكلم كلمتين على بعض في اليوم، مراتي هي العامل اللي كان ينفع يختلط بالزيت وينفع يختلط بالميه ، أنا وحماتي بقى كنا زي الزيت والميه، منختلطش، كل واحد في حاله، ولذلك كانت بتبقى اسخف حاجة لما مراتي تتأخر في شغلها وأوصل أنا بدري عنها أو لما يكون عندي أجازة أو هي تنزل مشوار لوحدها، أي ظرف يعني بنلاقي نفسنا فيه لوحدنا، كان بيبقى في صمت كده مريب، بتوتر، مببقاش عارف المفروض أقولها إيه ولا أخدمها إزاي، كنت بحس إني عبيط أوي، ممثل فاشل مش عارف يسبك دوره، بسألها أسئلة بلهاء زي “عاملة إيه يا طنط؟”، “مبسوطة بالقعدة معانا يا طنط ؟”، “جعانة يا طنط ؟”، “أخبار رجلك إيه دلوقتي يا طنط ؟”، وهي كانت بترد بأقل كلام ممكن أو تكتفي بإنها تحرك راسها فوق وتحت، حركة خفيفة كده، اللي هو إبعد عن نفوخي، لكن بعد شهر الوضع بدأ يتغير، ابتدينا نتعايش مع الوضع الجديد، وأكتر تعبير عن التعايش مع حد والتعود عليه هو إنكوا تفضلوا ساكتين أكتر وقت ممكن من غير ما حد فيكم يعترض أو يحس بحاجة غلط، منتهى السلام النفسي والتصالح مع السكوت الممل، مبقتش بعمل أي مجهود في فتح الكلام معاها أو عرض خدماتي اللي كانت أصلًا عزومة مراكبيه، أما المرحلة اللي بعديها فكانت غريبة جدًا، هي مرحلة الاكتشافات، اكتشفت إني أنا وحماتي شبه بعض جدًا، احنا الانتين ذوق مع الضيف، بنحسسه إنه مرحب بيه لكن لما قعدته تطول سكوتنا بيكتر وبيبان علينا اننا مش مرتاحين، وده لإننا مش بنبقى مرتاحين فعلًا، بنبتدي نتوتر وبنحس بالضيق، إننا مش قادرين ناخد راحتنا ولا نتنفس بسهولة، زي القطط في وجود بشر غرب حواليهم، وفي حالة حماتي سواء كنت ضيف عندها أو هي عندي فالإحساس واحد، توتر رهيب وغربة، ويمكن الضيق عندها أكبر كمان عشان الوضع مستمر، مش زيارة عابرة لضيف وهيروح لحاله، مضطرة تعيش العذاب كل لحظة من غير أمل إن الوضع ينتهي…
لما أدركت ده بالعكس بقيت حاسس بألفة ناحيتها أكتر، ولأول مرة من ساعة ما اتجوزت مراتي من 15 سنة أتقرب بجد لحماتي، بعد ما أخدت بالي من الشبه ما بيننا حصل الأغرب من المرحلة اللي قبل كده، لقيت نفسي بتكلم معاها! بعفوية بفتح مواضيع من غير ترتيب، وهي كمان نفس الحكاية، بقت تحكي معايا بسلاسة، حتى إني اتجرأت وسألتها عن الجهات الأمنية اللي بتراقبها وإذا كانت لسه بتراقبها وهي في البيت عندنا، ردت عليا ببساطة وقالت “أيوه، برضه حاطين كاميرات هنا، ده في واحدة من الكاميرات في دولاب الأطباق والكوبايات في المطبخ!”
وأنا تجيلي هستيرية ضحك لما اسمع ردها وهي تقرصني بغيظ ومقدرش ابطل ضحك وأبوس على راسها، وهكذا، وفي خلال كام شهر حماتي بقت في معزة أمي، نتناقش بالساعات، نتناقر، نغلس على بعض، نقعد ساكتين جنب بعض، كل واحد بيعمل حاجة، المهم إننا منستغناش عن بعض، لحد ما الشركة بتاعتي طلبت مني أسافر الفرع بتاعها في تركيا لمدة شهر، ولأول مرة يبقى عندنا معضلة، أنا مقدرش استغنى عن مراتي، مقدرش أعيش من غيرها ولو يومين على بعض وفي نفس الوقت مينفعش كنت أخد حماتي معانا، المهم وصلت لحل، نجيب ممرضة تقيم معاها الشهر ده، تديها الأدوية في مواعيدها وتعمل لها الأكل وتحميها لو تعبت أو طلبت منها ده، مراتي في الأول زمزأت، كانت قلقانة عليها، لكن أنا أصريت وأكدت لها إن الدنيا هتبقى تمام، وخلتها كمان تطلب إجازة من شغلها ولما رفضوا أصريت عليها تستقيل! ولما نرجع تدور بقى على شغل جديد أو متدورش، كده كده أنا مش مخليها محتاجة لحاجة، وأنا اللي محتاجلها…
الأمور مشيت زي ما أنا عايز، وسافرنا…
في أول كام يوم طبعًا أعصاب “ماهيتاب” كانت في رجليها، بتتصل تطمن على أمها كل ساعة وبعدها تقعد ترغي مع الممرضة وتلت وتعجن وتعيد وتزيد، وتديها نفس لستة الإرشادات بتاعة الساعة اللي فاتت واللي قبلها…
لكن مع الوقت “ماهيتاب” بقت اهدى، اتطمنت كل مدى، وأنا كمان لإن الممرضة أثبتت إنها محترفة، مش بس على المستوى الطبي، لكن كمان كانت قادرة تحتوى طنط “نعمة” وتستحمل تقلباتها المزاجية وحالة التهيؤات اللي كانت عندها…
وكله مشي تمام لحد آخر يومين في الشهر، هم 48 ساعة اللي كانوا فاضلين عبال ما نرجع…
الساعة 5 الفجر “ماهيتاب” صحيت على رنة موبايلها، مكالمة من المسانجر، والمتصل كانت الممرضة…
الممرضة كانت في حالة انهيار، من كتر العياط والشحتفة الكلام مش طالع من بوقها، “ماهيتاب” طبعًا كان حالها صعب، في كارثة حصلت، ده اللي كانت متأكدة منه برغم إنها مش فاهمة حاجة من الممرضة…
-ص…حييت أدخل الحمام، لمحتها بطرف عيني، كاا..نت ممددة على الأرض جنب السرير والكوفيرتا نصها فوق ونصها على الأرض، مفيهاش نفس، مكنش فيها نفس…
-يعني إيه؟ بتقولي إيه؟ إيه اللي حصل لماما؟
-الل…الله يرحمها!
الموبايل وقع من إيدها، كل ده وأنا قاعد على السرير براقبها وأنا مذعور، سمعت كل حاجة واستوعبت إن طنط “نعمة” ماتت ومع ذلك جالي الحالة اللي بتيجي للناس في المواقف دي، قعدت اسألها “حصل إيه؟ هي متأكدة إنها ماتت؟ طب ما توديها المستشفى يمكن.. ويمكن”
مع إني عارف في أعماقي إنها بقت في إيدين ربنا، دي ممرضة يعني أكيد هتفهم إذا كانت مغمى عليها ونبضها ضعيف ولا خلاص اتوفت…
اتحركت بسرعة، بقيت ماشي في اتجاهات كتير من غير تركيز، مهرجل ومضطرب، عايز أحضر الشنطة وألم حاجتي وحاجة مراتي، لكني اتفاجأت بماهي بتقولي أفضل، كده كده فاضل يومين على المدة اللي المفروض أقعدها، قالت إنها هتسافر الأول وترتب مع أخوها الكبير وباقي العيلة إجراءات الدفن والعزا وأنا أبقى أحصلها، مش هتفرق من يومين، ومفيش حاجة زيادة ممكن أعملها غير إني أبقى موجود معاها، أساندها في المصيبة دي، رفضت طبعًا بس هي أصرت…
“ماهيتاب” نفسها مكنتش مستوعبة أنا قد إيه كنت بحب “نعمة”، فعلًا كانت زي أمي، وبعد موتها حسيت باليتم، كده متبقاليش أي كبير، حتى لو أنا اللي كنت باخد بالي منها، كفاية نفسها اللي طول ما كان موجود كنت بحس بأمان وإني لسه عيل ودوري لسه بدري عليه، العمر لسه قدامي، ومن وقتها الوضع اتغير، ضهري اتكشف، بقيت مهزوز ومكسور وأوحش إحساس جالي إني مفتقدها، مفتقدها أوي…
ونزلت مصر…
لما دخلت أوضتنا لقيت “ماهيتاب” ممددة على السرير في وضعية الجنين، عنيها مفتحة على الآخر، مش بترمش…
حاوطتها بدراعي من غير ما أتكلم، مفيش كلام يتقال ممكن يهون اللي هي فيه واللي أنا كمان فيه..
-عندي إحساس وحش أوي يا “رامي”…
اتكلمت أخيرًا بعد دقايق من السكوت، لكن…إيه قصدها من الجملة دي؟
رفعت راسي وبصتلها، مستني تفسير…كملت كلامها:
-إحساس قوي إن أمي مماتتش موتة طبيعية.
=تقصدي إيه؟
-مشوفتش الممرضة بره؟
=ده الممرضة وناس كتير قاعدين في الصالة يا حبيبتي، عايزين يطمنوا عليكي.
-النظرة اللي على وشها وعياطها الزايد عن الباقي…
=طبعًا، عشرة برضه، حتى لو شهر واحد، دي اللي كانت عايشة معاها ال24 ساعة وأمك تتحب أوي يا “ماهي”…
-لأ، لأ…
اتقلبت بعنف وعدلت نفسها وبعدين قالت:
-دي حاسة بتأنيب ضمير..
=وضحي يا “ماهي”.
-إهمال، في حاجة عملتها غلط، هي اللي اتسببت في موتها!
طبيعي جدًا، هو ده اللي أهالي كتير بيقولوه لو حد ماتلهم، دي ظاهرة نفسية شائعة، عادة بيبقوا حاسين إن في حاجة كان ممكن تتعمل عشان قريبهم يعيش، أو إن في غلطة حصلت، إهمال طبي كان ممكن ميحصلش والمريض كان هيعيش، ولو القريب مكنش في المستشفى ومحدش كان بيرعاه يبدأوا يدوروا على سبب للموت، إنهم هم نفسهم كانوا مقصرين في حقه، لو كانوا بدروا شوية، لو كانوا أخروا شوية، لو مقالوش الكلام اللي قالوه واللي ممكن يكون زعل اللي مات أو كانوا قالوا حاجة فرحته، أو…أو…
هو كده، الإنسان بيجلد نفسه أو غيره لما حد بيحبه يموت…
-لأ يا “رامي”، أنا مش حالة انهيار، مش الحالة اللي تخليني أخرف ويتهيألي حاجات، ولا الممرضة هي الشماعة اللي بعلق عليها موتها، اطلع…اخطف نظرة عليها وتعالى قول لي شفت إيه…
وفعلًا عملت كده عشان تهدى…
خرجت كإني بشكر المعزين وبعتذرلهم إن مراتي مش قادرة تقعد مع حد، والغريبة إني شفت على وش الممرضة وحركتها العصبية اللي مراتي شافته!
فعلًا حزنها مكنش طبيعي، دي واحدة في حالة صدمة عصبية، بطقطق في صوابعها ومش بتيطل عياط بصوت عالي وعنيها اتنفخت لدرجة مش قادر أشوفها، في إيه بالظبط؟ تكونش فعلًا غلطت في مواعيد الأدويا أو الجرعات؟ يجوز، حماتي أصلها كانت بتاخد أدوية خطيرة للضغط والسكر واي حاجة غلط ممكن تؤدي للوفاة…
طيب أنا المفروض أعمل إيه؟ أقول لماهي اللي فعلًا شفته ولا أكدب عليها وأقولها إنها بيتهيألها؟ إيه اللي كان هيريحها؟
في الآخر قررت أكدب لإن برضه مهما كنت متأكد وهي متأكدة فإن بعض الظن إثم ومفيش حاجة ممكن تتعمل، الست بقت في ملكوت تاني وده عمرها، حرام نحاسب الممرضة وتطلع في الآخر مظلومة، أو حتى لو حصل وغلطت، مش هنعلقلها المشانق، كفاية حساب الضمير، دي كانت هتموت من الحزن…
أقنعت ماهي إنها ظلماها، وإن الكلام ده مش مظبوط، “نعمة” ماتت موتة طبيعية، ربنا أراد ياخدها وفي المعاد ده وكمان تلاقيها بإذنه كانت في حالة سلام وقرب منه…
وبصراحة “ماهي” مجادلتش كتير، اقتنعت وسلمت بأمر الله، أنا اللي فضلت مشغول بالموضوع وليلة كاملة معرفتش أنام…
وبعدها مباشرة جالي عرض من الشركة إني أروح فرع “تركيا” علطول، عرضت على “ماهيتاب” ورحبت بالموضوع، خلاص مبقاش في حاجة تخليها متمسكة بالبلد غير أخوها اللي هتشوفه كل ما تنزل أجازة…
السفر كان بعد العزا بإسبوعين…
حضرنا حالنا، كنا في آخر ليلة لينا في مصر…
قلقت في نص الليل، تغيير جذري برضه والمفروض أقلق، قمت ودخلت المطيخ، فتحت التلاجة واكتشفت إني مليش نفس أاكل وبعدها طلعت فتحت التليفزيون في الصالة وقعدت اتمشى زي اللي مستنى ابنه يتولد في المسلسلات المصرية…
وبالصدفة عيني وقعت على حاجة….
هناك على الحيطة فوق الكنبة كان في بقع حمرا…
البقع ليها نمط معين، كانوا 10 بقع، وكل بقعة منهم في حجم عقلة صباع، كإن حد حط كفينه على الحيطة، المنظر مكنش مريح، والمادة الحمرة كانت لزجة، فريش!
غصب عني جريت على “ماهي” وصحيتها بالراحة، كنت عايز أفهم، إيه أصل البقع دي وجت إزاي؟
النتيجة إني أنا وهي كنا واقفين زي أسدين قصر النيل كده على مسافة من بعض وساكتين ومش بنتحرك تمامًا، مبرقين بس في المنظر اللي قدامنا…
المشكلة كمان إن البقع الحمرا مكنتش في مستوانا ولا فوق الكنبة بشوية صغيرين، دي كانت على ارتفاع، يعني الواحد لازم يبقى قرد مثلًا عشان يتسلق ويسيب بصماته!
-إيه البقع دي يا “رامي”؟
=كنت هسألك نفس السؤال.
-معرفش.
=ولا أنا…
بس…كان عندي إحساس قوي، شكل المادة الحمرا ولونها يقول إنها…. مش هنضحك على نفسنا، ده كان دم!
دم إيه بقى، الله أعلم، طبعًا أنا وهي لما هدينا قعدنا نحاول نلاقي تفسيرات منطقية، إنها قطة مثلًا اتسللت في أيام العزا، ما هو الباب كان مفتوح علطول ووارد جدًا قطة تدخل من غير ما حد ياخد باله وبطريقة ما فضلت قاعدة في الشقة، مستخبية في ركن ما، ما بين الكنب، أو تحت السفرة ومخدناش بالنا وبطريقة ما اتعورت وده دمها، وبطريقة ما اختفت ومش سامعنلها صوت، نطت مثلًا من الشباك؟؟
وبطريقة ما أدركنا قد إيه إحنا عبط والتفسير المنطقي بتاعنا غير منطقي على الإطلاق، داحنا لو اقترحنا إن علاء الدين خرج الجني من المصباح في البيت بتاعنا كان هيبقى منطقي أكتر…
أول حاجة عملناها الصبح إننا جبنا سلم من البواب وأنا طلعت عليه ونضفت البقع وماهي كانت واقفالي تحت السلم بتناولني عدة التنضيف وبعدها بشوية بدأنا نشيك على الشنط اللي هنسافر بيها واتحركنا على المطار…
مكنتش قادر أشيل الفكرة من دماغي، الربط ما بين موت حماتي وبين بقع الدم على الحيطة، صوت كان بيلح عليا، بيقول لي إنها بتحاول تبعت رسالة، تقول إن موتها مكنش عادي، ماتت بفعل فاعل، وده خلى الشك يكبر عندي، الممرضة أهملت وموتتها…
بس برضه، في كل الأحوال مفيش حاجة كنت أقدر أعملها، ومفيش إجراء كنت هاخده ضد الممرضة، كل اللي عليا أدعي لحماتي ربنا يرحمها وتبقى مرتاحة في قبرها وإنه يسامح الممرضة لو مشافتش شغلها كويس واتسببت في موت “نعمة”..
.
وتفوت سنة وننزل اجازة….
الوقت كان كافي إنه يخفف كتير من الألم، أنا ومراتي بقينا أحسن كتير، ورضينا بقضاء الله، وبالعكس حبينا عيشتنا الجديدة في تركيا وقربنا من بعض أكتر…
لما نزلنا مصر أول كام يوم مكناش تقريبًا بنقعد في البيت، زرنا قرايبنا دول وقرايبنا دول والمعارف والصحاب، وأخيرًا بدأنا نهدى شوية ونستقر…
صحيت على ريحة حلوة أوي، الريحة مصدرها المطبخ، بس…بدري أوي، معقول النشاط اللي فيه ماهيتاب ده؟ بتعمل الفطار الساعة 7 الصبح؟
دي كانت ريحة بيض بالبسطرمة، طبعًا بحبه وماهيتاب كمان لكن الطبق ده بالذات كان الوجبة المفضلة عند حماتي الله يرحمها، وكل يوم يا أنا يا ماهي كنا بنعمله على الفطار عشانها، يا ترى “ماهيتاب” بتدلعني بالفطار ده ولا ده على شرف حماتي، جت على بالها وقالت تعمل الطبق اللي بتحبه؟
أيًا كان فأنا محظوظ، في الآخر أنا المستفيد…
قمت وأنا في أحسن مزاج، روحت على المطبخ من قبل حتى ما أغسل وشي أو سناني، حبيت أشرف على المشروع العظيم ده، ودخلت….
لكن ملقتش حاجة على النار ولا على الطرابيزة ولا لقيت ماهيتاب!
الريحة كانت لسه مالية المكان، معقول يكون المصدر شقة تانية؟ ما هي الشقق اصلها قريبة من بعض، لكن، لأ، الريحة كانت قوية جدًا، وبعدين أنا كنت في المطبخ نفسه وشامم الريحة حواليا، شباك المطبخ كان مقفول كمان، مصدر الريحة كان المكان اللي واقف فيه، غريبة!
ده أنا كمان من تحمسي ولعابي اللي سال لما شميت الريحة مخدتش بالي إن “ماهي” كانت نايمة لسه جنبي على السرير!
رجعت الأوضة لقيتها غرقانة في النوم، عادي، عادي، مش هقعد أحلل في الأمور!….
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
أنا كنت تعبت من المشاوير، حركتي بقت تقيلة، “ماهيتاب” بقى كان لسه عندها شوية طاقة، قررت تروح عند اخوها وتقعد عنده لحد بليل متأخر وهو كان هيرجعها بعربيته، بالنسبة لي فضلت ملازم البيت بمنتهى الرضا والسلام النفسي، طلبت أكل، فتحت قناة الأفلام الأجنبية وكنت ناوي بعد ما أخلص وجبتي أعمل فيشار وأكل الحلويات اللي جبتها، الطقوس المفضلة عندي…
الخطة كانت ماشية تمام لحد ما اتمشيت في الطرقة وكنت رايح على المطبخ عشان أعمل الفيشار، ولمحت بطرف عيني حاجة كده…
خط أحمر على الحيطة!
مادة حمرة لزجة عاملة خط مستقيم بالعرض في منطقة معينة والمادة على الطرفين نازلة بالبطيء، نفسها المادة اللي شفناها قبل ما نسافر على شكل عقل صوابع، دم! وبرضه دم طازة، لسه لزج….
المرة دي كنت قاعد لوحدي، مش هجري على مراتي النايمة أصحيها عشان تبقى معايا، أعمل إيه؟
كنت ببلع ريقي بصعوبة، واقف مشلول ببص لخط الدم، وبعد لحظات حسيت بحركة سريعة ورايا…
حاجة عدت بسرعة، اتلفت في فزع، مشفتش حاجة…
جريت على الموبايل واتصلت بماهيتاب بس مرضتش أقولها اللي بيحصل، سألتها بس هترجع امتى، هي طبعًا استغربت السؤال وسألتني إذا كنت عايز حاجة أو عايزها ترجع بدري تقعد معايا، قلتلها إني بسأل عادي عليها، مرضتش أحكي غير لما تيجي، وفضلت قاعد برعبي، بقاوم النوم لحد ما جت…
اللي قلته أول ما دخلت عليا من باب الشقة:
=عايزين نعمل تنضيف تاني.
-تنضيف إيه؟ الشقة لسه عايزه تنضيف؟ تمام بكره إن شاء الله.
=لأ، هننضف الحيطة، جزء منها..دلوقتي!
-نضافة إيه اللي دلوقتي، محبكش يا “رامي”، نبقى ننفض الحته اللي مش عاجباك بكره أو ندعكها حتى، قامت عليك النضافة دلوقتي؟؟
=لأ ما هو… تنضيف شبه اللي نضفناه قبل ما نسافر.
بصتلي بصة طويلة وبعدين بصت قدامها، بتحاول تترجم اللي بقوله، استوعبت، افتكرت الموقف المريب…
-قصدك….
حركت راسي من غير كلام، عيني كانت كافية ترد، مليانة أسئلة ورعب…
-يالا نقوم نشوف!
مشينا مع بعض لحد الحيطة، وبصينا في خط الدم، مراتي قالت:
-هو إيه اللي بيحصل يا “رامي”؟
=معرفش!
-أقولك…اظن ده ممكن يكون دم حشرة، برص مثلًا نتشها وأكلها.
=إنتي بجد مقتنعة بده؟
-ليه لأ؟
=ماشي، بس وأنا ببص على الخيط المرة الأولى…
بصتلي، مستنياني أكمل..مقدرتش! مقدرتش أقول لها على الحاجة اللي عدت بسرعة ومشوفتهاش، مكنتش عايزها أخوفها أكتر من كده، مهما كانت الظواهر غريبة فممكن يكون ده آخرها، مفيش داعي أخليها مرعوبة زيي…
نضفنا الحيطة مع بعض ودخلنا ننام، بس نوم إيه بقى؟ أنا متأكد زي ما كنت قلقان ومش عارف انام، هي نفس الحكاية، احنا الاتنين كنا مديين ضهرنا لبعض وثابتين على نفس الوضع، مش بنتحرك، كل واحد باصص في اتجاه وعمال يراجع الأحداث اللي بتحصل لنا…
“ماهي” بعد فترة غفلت، مكنتش غرقت في النوم، الرؤية كانت مشوشة، وكإنها لمحت ضل بعيد…
عنيها مقفلة نص تقفيلة، مخلياها مش شايفة كويس، احتمال اللي اتهيألها إنه شافته هو اللي قلقها، المهم إنها فضلت على الوضع ده شوية لحد ما قدرت تفتح عنيها على الآخر…
كانت هناك، سادة الباب، واقفة بتبصلها، بتحرك راسها يمين وشمال حركة خفيفة، اللي واقفة كانت حماتي…
مراتي اتنفضت، قامت ومشيت لحد “نعمة”، بقت قدامها مباشرة، شايفاها كويس، مدت إيديها عشان تلمسها، وساعتها “نعمة” ضحكت ضحكة مش مريحة، وعنيها كان فيها نظرة تحدي وبعدين اختفت…
أنا اللي شفته ساعتها هي “ماهي” واقفة على عتبة الباب، مركزة في الفراغ قدامها….
=إيه يا “ماهي”؟ واقفة كده ليه؟
لفتلي والدموع مالية عنيها وقالت:
-لا مفيش، ارجع نام انت..
فعلًا رجعت نمت، وبعد اقل من ساعتين صحيت، صحيت على ريحة قوية، ريحة بيض بالبسطرمة!
الساعة كانت سابعة بالظبط والمصدر كان المطبخ…
مرضتش اصحي “ماهيتاب”، قمت بنفسي وروحت على هناك…
كل ما أقرب من المطبخ كل اما الريحة تبقى أقوى لحد ما دخلت، كإنه يا لسه بيتعمل يا لسه طالع من النار حالًا، الريحة في كل مكان، لأ تمام كده أنا اتأكدت، الشقة…بقت…مسكونة…
بس يعني إيه مسكونة؟
إيه تفسير الظواهر الخارقة؟
أشباح، عفاريت، اسمهم إيه؟
فات أسبوع وفاضل تلاتة، كان عندي أمل إننا منشوفش حاجة تانية في الفترة المتبقية ونتكل على الله ونسيب كل الألغاز دي ورانا…
لكن ده محصلش…
اللي حصل إني رجعت في يوم بدري عن “ماهي” عشان كانت شكلها هتطول في الشرا بتاعها، هدوم على حاجة بيت وانا مكنش عندي طاقة الصراحة…
عديت من الصالة وكنت رايح على أوضتي لولا إن حماتي وقفتني لما قالت:
-عط…شانة، عطشانة..
=يا حبيبتي يا “نعمة” من عيني، هجيبلك مايه حالًا…
ومشيت بكل سرعة وطاقة على المطبخ لولا إني افتكرت وأنا على عتبة المطبخ إن “نعمة” ماتت من أكتر من سنة!
أعمل إيه؟ أعمل إيه؟
أفضل واقف مكاني، أقعد في المطبخ؟ ولا أمشي من الشقة، بس في مشكلة، لو مشيت هعدي من الصالة اللي فيها الشبح!
مقدرتش بقى، مبدهاش! طلعت الموبايل من جيبي واتصلت بماهي وقلتلها تلحقني، تسيب اللي في إيديها وتيجي..
قالت أول ما جت وحكتلها:
-حبيبي ما يمكن متهيألك!
دي هتقول لي متهيألي، هتجنني، لأ طبعًا أنا متأكد من اللي شفته.. رديت عليها:
=أنتي بجد مصدقة إنها تهيؤات؟ بجد يعني؟
-لأ بصراحة أنت مش متهيألك، أنا كنت بس بحاول أهديك…
حكتلي اللي شافته على عتبة باب أوضتنا وفي الآخر قالت:
-لما قربتلبها لقيتها مختلفة عن ماما شوية، هي شبهها جدًا لكن ملامحها مختلفة لما تدقق فيها، لا شكلها ولا حضورها بتوع ماما، ده مش شبح ماما يا “رامي”، دي حاجة تانية…
=أيوه يعني اللي هي إيه؟ وهتمشي إزاي؟
-معرفش، أظن الظاهرة دي هتاخد وقتها وتمشي، نعمل عبط بقى عبال ما ده يحصل والشقة ترجع طبيعية.
=طيب، خلينا نتفق على حاجة، لحد ما نسافر محدش فينا يقعد في الشقة لوحده.
-متقفين.
خلاص كده، اتحلت، مهما حصل هنبقى مع بعض، محدش كان هيواجه حاجة لوحده، ده..المفروض…
عدى كذه يوم محصلش فيهم حاجة، الشقة كانت هادية تمامًا، شقتنا القديمة الطبيعية، لحد ما في ليلة ما قمت من النوم عشان كنت عايز أدخل الحمام…
وأنا جوه الحمام سمعت خطوات لحد الباب من بره، كانت “ماهي”، ندهت عليا…
رديت:
-أيوه يا “ماهي”؟
مردتش…قلت لها:
=حبيبتي إنتي محتاجة الحمام؟ أنا كنت طالع أصلًا..
برضه مردتش.. قلت مش مشكلة تلاقيها زيي دايخة ومش فايقة قوي، اللي قومها برضه حاجتها إنها تدخل الحمام، مش قادرة يعني تاخد وتدي معايا..وخرجت…
لكن “ماهي” مكنتش واقفة قدام الباب، بصيت في مستوى نظري ملقتش حد، وبعدين الأنوار كانت لسه مطفية، مفيش غير نور خفيف من الصالة، بعدها عيني وقعت على الأرض…
وعلى الأرض كان فيه بقع دم كبيرة!
المرة دي على أشكال أقدام، خطوات في طول الطرقة لحد قصاد الحمام مباشرة، الخطوات اللي سمعتها…
في نفس الوقت ده مراتي كانت غرقانة في النوم بس قلقت على صوت خطواتي من الطرقة للأوضة، لحد ما وقفت قدام السرير، وقتها هي استغربت وسألتني بصوت واطي:
-إيه يا “رامي” واقف عندك ليه، في حاجة؟
حست بإيدي في طرف السرير بتغرز في الفرش، بقرب عشان أرجع أنام، رفعت راسها بحركة خفيفة لكن مشافتنيش، وده لإني كنت هناك قدام الحمام ببص على بقع الدم ومش أنا اللي مشيت لحد قدام السرير وده معناه إن مش أنا اللي إيدي غارزة في الفرش ولسه بتترفع وبتنزل عشان بتقرب منها!
“ماهي” كانت عارفة تشوف عشان باب الأوضة كان مفتوح ونفس النور الضعيف اللي واصل لي واصل لها، ومع قرب الإيدين الخفية على السرير منها بدأت تصرخ…
صريخها رعبني أكتر من خطوات الدم اللي كنت واقف بتفرج عليها، جريت على الأوضة…
كانت بتصرخ بهستيرية حتى بعد ما روحتلها وقعدت جنبها وكانت بترفص في السرير وبتحرك راسها في كل الاتجاهات، حطيت إيدي على راسها وفضلت أقرا في قرآن لحد ما أخيرًا بدأت تهدا، وشها كان عرقان وجسمها بيتنفض، بالعافية سابتني أقوم وأجيبلها مايه وحكتلي اللي حصل وأنا كمان حكيتلها…
وده كان أول خلاف ما بينا، احنا الاتنين كنا مرعوبين زي بعض، لأ مرعوبين إيه، نقول مهلوعين، في حالة صدمة وانهيار، لكن رد فعلي غير رد فعلها، هي أصرت نمشي من الشقة، نقضي باقي الأيام عند أخوها وأنا رفضت تمامًا وقلت:
=يعني إيه؟ نهرب من شقتنا، كإن جه واحد بلطجي كده حط إيده على الشقة وقعد فيها وقال دي بقت بتاعتي بالحيازة وملكومش حاجة عندي؟ واحنا ندلدل راسنا ونقول آمين ونمشي ونسيبهاله؟..
-اه، بس الفرق بقى إن ده مش بني آدم أصلًا، احتمال يبقى بلطجي، عفريت بلطجي، هتقدر تواجه بقى، هتحاربه بالطاسة والمقشات؟
=معقول شقتنا تهون عليكي؟ الشقة اللي شالت ذكرياتنا من ساعة ما اتجوزنا ما بين أركانها؟
-اه تهون عادي، بس أعيش.
=طيب يا “ماهي” اعملي اللي تشوفيه بس إياكي تجيبي سيرة لاخوكي بموضوع العفاريت ده، مش ناقصين شماتة أو تريقة، قولي أي سبب تاني، حشرات انتشرت ومش عارفين نسيطر عليها، جيران جداد مزعجين، أي حاجة…
وافقت الندلة بمنتهى السهولة وسابتني لوحدي في الشقة…
أنا صحيح كنت هموت من الرعب بس عملت عهد على نفسي إني أطهر الشقة من الكيانات اللي فيها، البداية هو القرآن اللي بقى شغال علطول وإصراري إني أبقى متواجد على قد ما أقدر، لازم الكيان اللي في البيت يتعايش ويسلم بوجود بشر فيه، سكان بيزاحموه، قصدي بيزاحمهم، الشقة اصلًا بتاعتنا إحنا…
وكان عندي فضول أعرف الدم اللي في الشقة مين مصدره، مين الضحية يا ترى، أخدت عينه منه وإديتها لواحد معرفة، بيشتغل في المعامل اللي ليها علاقة بشغل الجرايم والتحقيقات، طلبت منه تحليل دي إن إيه ونحاول نوصل لصاحب الدم، يمكن لما أعرفه وأعرف قصته أفهم اكتر…
………………………
مش انا عملت 7 رجالة في بعض؟ أول ما الدنيا بدأت تضلم ركبي خبطت في بعض وبقيت اتلفت حواليا، بجد كان يستحيل أعرف أنام لوحدي، والأوقات الغير اعتيادية بتستدعي إجراءات غير اعتيادية، عملت حاجة متجرأش أحكيها لحد، طلعت من الدولاب دبدوب كبير كنت شايلة عشان أديه هدية لإبن واحد قريبي لسه مكنتش قابلته من ساعة ما جيت من السفر، والدبدوب ده اللي طوله قرب طولي وضخم، أخدته جنبي على السرير وحضنته عشان أحس بالأمان…
يلعن ده شبح اللي يخليني ارجع أنام جنب دباديب وأنا قرب الخمسين…
المهم إنه أدى الدور اللي عليه، فعلًا حسيت بالأمان وروحت في النوم، مصحنيش غير الهزة، هزة؟!
أدركت إني بتهز جامد والسرير كمان، زلزال، في زلزال!
يا خبر! يا ترى إنتي عاملة إيه دلوقتي يا “ماهي”، أصلها عندها فوبيا من الزلازل، الزلزال كان قوي أوي، أنا كنت صامد بالعافية على السرير، لكن بعد شوية، بعد الخضة الأولى ركزت في السقف، اللمبة مكنتش بتتهز ولا الدولاب، السرير بس هو اللي كان بيتهز!
ومش لوحده، في مصدر معين هو السبب، المصدر هو الدبدوب اللي كنت قافش وبتحامى فيه…
الدبدوب كان بيتحرك بعنف وفجأة وقف عن الحركة…
كنت سبته ومش قادر أبص في أي اتجاه تاني، وشي متثبت عليه، راسه اتحركت ناحيتي، طلع منه صوت من غير ما بوقه يتحرك:
-بييييتي!
رميت الفرش وقمت أجري، كنت ناوي أخرج من البيت لولا إن سمعتها، “ماهي”، قالت بصوت مخضوض:
-مالك يا حبيبي، أنت كويس؟
الصوت كان جاي من المطبخ، جريت عليها، شفتها واقفة بضهرها، كانت بتعمل أكل..تلاقيها رجعت بليل وأنا نايم، محستش بيها…
-مقدرتش أسيبك، مهما حصل إحنا مع بعض، في الحلوة والمرة، احكيلي حصل إيه؟
مكنتش قادر اخد نفسي، حركت راسي بفهمها إني هحكي بس أهدى شوية، برغم إنها كانت لسه مدياني ضهرها ومش شايفاني…
قمت من كرسي المطبخ، قررت أساعدها في الأكل، كنت لسه هسألها أساعدها إزاي، لقيتها جت من ورايا وسندت راسها على كتفي ولفت إيديها حواليا… الموبايل رن، أصلي جبته معايا من الأوضة، كان رقم غريب، رديت:
-ده رقم أخويا الجديد، مقدرتش أنام طول الليل، قلقانة عليك، كان غباء مني إني أسيبك، مهما كانت الظروف لازم نفضل مع بعض، أنت كويس؟
اللي على الموبايل كانت “ماهي”!
أمال مين اللي واقفة ورايا ولازقة فيا، راس مين على كتفي؟!
ركزت بعدها…ريحة الأكل، بيض بالبسطرمة والساعة كانت 7 بالظبط…
الموبايل وقع من إيدي، عيني جت على الإيدين اللي على بطني، كانت شبه الهياكل العظمية لكن لونها غامق أوي ومش بتاعة بشر، غمضت عيني وبقيت أقرا قرآن بسرعة، آية الكرسي بعدها المعوذتين وأعيد وأزيد فيهم…
أخيرًا الإيدين اتفكت، فضلت مغمض، حسست على الأرض وشلت الموبايل وطلعت أجري على باب الشقة، مكنش عايز يفتح، كإنه متروس، في خطوات كانت بتقرب ورايا ومعاهم صوت ضحكات ممزوجة، طبقتين من الصوت، صوت ست على صوت راجل..
قلت بصوت واطي مهزوز “بسم الله الرحمن الرحيم”، الباب مفتحش، عليت صوتي شوية …
=بسم الله الرحمن الرحيم…
برضه مفتحش…
عليت صوتي أكتر، عليته أوي، والمرة دي صوتي كان ثابت أكتر ومش مهزوز:
=بسم الله الرحمن الرحيم…
الباب اتفتح معايا وطلعت وقفلته ورايا، ونزلت من العمارة جري، كلمت “ماهي” لما بقيت في الشارع، مقدرتش طبعًا احكيلها كل اللي حصل في وقتها، كنت منهار، بهتش زي المجنون، كلمة من هنا على كلمة من هناك، كلامي مش مترتب…
هي أخدت بعضها وجتلي، وموقفها اتعكس، أصرت إننا نرجع الشقة تاني وإننا منبطلش نشغل قرآن ونقراه ونردد الأذكار طول الوقت ومنسبش شقتنا للشر اللي فيها لحد ما نسافر…
وده اللي حصل، وفعلًا الموضوع جاب نتيجة، الدنيا بقت أهدى بكتير، كإن الغرض كان تطفيشنا، الشقة كانوا عايزنها سكان تانيين، من نوع مختلف، عايزين يستولوا عليها…
بحثت بعد كده عن حالات مشابهة، لقيت معلومة بتقول إن المكان اللي بيحصل فيه موت مفاجيء، قتل أو حادثة، في طاقة معينة سلبية بتتخلق فيه، وفي كذه تفسير للطاقة دي، يأما بيتوجد زي شريط بيفضل يتكرر، جواه صور وأصوات ومشاهد مرتبطة بالشخص اللي مات في الحادثة أو شبح الميت بيفضل متمسك بالمكان وبيبقى في حالة إنكار، مش مدرك إنه مات أو، وده اللي أنا مقتنع بيه إنه بيبقى قرينه، والدليل على كده الكلام اللي مراتي قالته، عن وصف الكيان اللي شافته في عتبة الأوضة، شبه مامتها لكن مختلف، مش هي!
أظن إن قرين الميت بيظهر في المكان اللي مات فيه، خصوصًا لو في ظروف مأساوية، وبيفضل مرتبط بالمكان وبينكد بقى على الناس اللي ساكنة ويقعد يرازي فيهم…
أكيد الظواهر الغريبة مختفتش تمامًا، فضلت مثلًا ريحة البيض بالبسطرمة تفوح في نفس المعاد كل يوم، وده بالمناسبة كان المعاد اللي “نعمة” بتفطر فيه عادة ، وأنا و”ماهي” كنا بنسمع خطوات في الشقة، وأوقات تسمعني أندهها وأوقات أسمعها تندهني ومش بنبقى إحنا، لكن بقت ظوهر خفيفة أوي ومش مؤذية…
“ماهيتاب” عملت نسخة من مفتاح الشقة وادته لأخوها ووصته كل إسبوعين يجيب حد ينضف الشقة كلها ويولع بخور ويبقى حريص إن القرآن ميتقطعش أبدًا…
نتيجة تحليل الدي إن إيه طلعت قبل ما نسافر، والنتيجة إنه مش متطابق مع أي شخص، مش متطابق اصلًا مع أي دم بشري ولا دم حيواني! الدم اللي كان في الشقة مش دم أي كائن حي نعرفه، الدكتور اللي عمل التحليل جاله ذعر وأنا مرضتش أحكيله عن مصدر الدم، كفاية اللي كان فيه…
أنا و”ماهي” قررنا نسافر بالسفينة، تجربة جديدة وفعلًا كانت حلوة، الكابينة بتاعتنا كانت من غير سرير، مرتبة بس مفروشة على الأرض وتليفزيون برضه على الأرض قدام المرتبة، “ماهي” راحت في النوم الأول وأنا صمدت شوية، سرحت في التليفزيون لحد ما البث اتقطع وبقى في تشويش…
بعدها بلحظات سمعت صوت بره الأوضة، الصوت كان قريب أوي مننا، واحد بيتكلم بصوت مقطع بالتركي وبيقول:
-بررررد…مش قادر….بررررد..
بصيت من خرم الباب لقيت واحد بيترعش، حاطط إيديه على أكتافه وهدومه كلها مبلولة وشعره كمان، وجلده مكرمش كإنه كان منقوع في ميه، ولسه منقوع! نقط الميه بتنزل من شعره على الأرض…
رجعت بسرعة واتغطيت ونمت…
الصبح حكيت لحد من العاملين على السفينة، بلم شوية وقال لي:
-أقولك على سر؟ إمبارح في نفس التوقيت اللي شفت فيه الراجل عدينا على موقع معين، الموقع ده في سفينة غرقت فيه من 12 سنة وكان في عز الشتا وطاقم السفينة كله غرق، اللي مماتش من الغرق، مات من انخفاض درجة الحرارة، الميه كانت متلجة!
واديني عرفت أنا شفت مين الليلة اللي فاتت أو بمعنى اصح شفت إيه…
“تمت”
#دم_القرين
#ياسمين_رحمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى